نادمة أنا على التعجيل بعتابي لك ، كان علي أن أجعلك تتمادى أكثر كي تكثر مبررات حديثي معك ، الآن بعد أن أنهيت ما بداخلي لم تعد المبررات تجزي نفعا كي أعود لأوجه الكلمات لك وإن كان عتابا فهو في النهاية حديث يمكنني اصطناع المبررات لإطالته .
أنا أقف الآن على الحدود التي تفصلني عنك أو تعيدني إليك ، خطوة أكون بين يديك وأخرى أكن بين يدي أيا منهم؛ فحينها لن أدقق كثيرا .
بدت كلماتنا الأخيرة باردة ، بدت مصطنعة ، فالكلمات بيننا لم تعتد ارتداء الزي الرسمي ولا حمل الكثير من الكلمات التي تقال بين اثنين ، فدائما ما كنا كيانا متوحدا لا نحتاج للكلمات لنتواصل .
دائما ما كانت الكلمات خجلة تخرج على استحياء لكنها صنعت بيننا شبكة العشق المعقدة ؛ فلم تكن كما تبدو ، هذه المرة أيضا كانت تحمل مغزى دون ما تبدو عليه مما لا نستطيع البوح به الآن ونحن على مشارف نهاية الطريق وغلق بوابات الحدود التي ستفصلنا ربما للأبد ، بدت ألسنتنا ساخرة منا ، وحروفنا تخرج باستهزاء من غفلتنا عما سينتج من كلمات ننتقم بها لكرامتنا دون النظر لقلوبنا المتلهفة التي احتفظنا بها حينها في أدراج مكاتبنا مع جموع أوراق ذكرياتنا ، وأرواحنا التي ألقينا بها على رفوف المكتبة التراثية كي نعيد النظر إليها كلما راودتنا فكرة الحب من جديد .
ذاك الحب الذي كنت أجهله حتى ألقت أول نظراتك سهامها إلي فأصابت قلبي الذي لا أعلم له سبيلا الآن ، ذهبنا معك في رحلة حب برية ، اقتسمنا الماء والزاد ، اقتسمنا الأشغال والمتاعب ، اقتسمنا نهار الصحراء وليل الشتاء وربيع الورود وتموج نسمات الهواء ترقص مبتسمة وأحيانا صاخبة .
تبدلت من حولنا الأشياء وبعضها انتهى وآخر منها فقد رونقه ، أما حبنا فقد ازداد تألقه مع كل رعدة خوف أو برقة هدم ، ازدادت مقاومته مع كل نبرة تعدنا بالفراق أو بالشقاء ، تحدت بسماتنا الوجوه المتجهمة ، أزلنا الخوف من قاموس عشقنا الذي صنعنا حروفه من قطع قلوبنا الممزقة التي أنهكتها الحرب لكنها لم تتنازل يوما .
قاموس يحوي لحظاتنا المسروقة من زمن طاغية الحب؛ سرقناها من بطش تآكل العقول وإبطال القلوب ...
قاموس يحوي الالتقاء رغم بُعد الأجساد ، يحوي الالتقاء الأبدي بالتقاء أعيننا ، يحوي يوم العشق الأول تحت زخات المطر ، يحوي لحظة التوحد الروحي في دنيا الغرام ، يحوي عالمنا المكلل بقلوبنا الزهرية وتتخلله دماؤنا الوردية ...
ومع كل محاولاتنا التي بدت ناجحة بكل أشكال الانتصار الكوني ، لم يود لنا القدر أن نحيا في العالم البعيد أكثر ، لا أجد عزاءا سوى أن قلوبنا لم تعد لتحتمل مزيدا من العشق ، إن تذوقت مزيدا منه ربما لم تستطع المكوث بأجسادنا دون أن تحلق في عوالم الحب والجمال ، وتمكث في عالمنا البعيد للأبد .
الخوض في حديثي هذا الآن يشبه الهراء أو هو هراء تماما ، لم يعد لنا الحق في ممارسة حديث كهذا ، فلنبدل حروف قاموسنا العشقي ، أو لنمزقه تماما ؛ ولنعلم قلوبنا الحروف الرسمية التي تتشكل في كلمة "فراق" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق